الاثنين، 26 يناير 2009
الأربعاء، 21 يناير 2009
الثلاثاء، 20 يناير 2009
الاثنين، 19 يناير 2009
خيول وفرسان
ما كان يريد أن يكتب عنه ناقد، ولا أراد أن تكبّر صورته في أبحاث، فالاعلام الزائد عن مبدع يطيح به، وهو ما كان يبحث إلا عن لوحة، فهي الاعلام الحقيقي وهي تقدم رؤيته وفلسفته في الحياة، وكان يحدثني في بيته في جلسات طويلة عن كرهه لصحافة تلمع الاطارات دون الجوهر في باطن الاطارات، وكان يقول: دع الحياة تقدم نفسها بنفسها..!ومرة كتب ناقد ان فائق حسن: (ليس مثقفاً..) أي انه لا يستطيع أن يعبر عن ثقافة بمستوي فنه أو رسوماته، وتبرم كثيراً من هذا التخريج، وقال هل من الضروري أن أشرح كل لوحة من لوحاتي ليطلع المتلقي علي ثقافتي، وكان علي حق، إذ يكفي الفنان الكبير أن يقدم لنا لوحته ثم نقوم نحن بتفسيرها أو بتخيلها بما نملك من ذائقة ومزاج خيالي، ووظيفة الفن في الاساس تحويل الاحتمالات إلي ضرورة، وتأويل الباطن..! وبتأويل أية لوحة من لوحاته يكشف لنا فائق حسن عن بعده الثقافي العميق، الحسي في جانب، والعقلي في جانب، والاستلهام الواقعي لحياة مجتمعة في جوانب متعددة، وفي كل ذلك كان يؤدي دور المعرفي في تقديم صورة أمينة عن مجتمع عاش فيه، كما أدي دور الفنان في تحريك رؤي التاريخ بوسيلة اللون أو بوسيلة الريشة، تلك البوصلة التي تحركت علي القماشة ورصدت حتي الشعيرات الصغيرة في جغرافيته التي تنفس فيها باسم الحرية التي ابتدعها في خلقه وتكوينه الانثربولوجي..!آفاقه في التجربةورأيناه ينجز عبر حياته:1- وضع قواعد لفن تشكيلي تبدأ من استلهام التراث الحضاري في العراق وتنتهي بمعايشة الفلكلور المعاصر، وكان يقول للاجيال التي تخرجت به ان (اللوحة يجب أن تتضمن تاريخاً رمزياً..) ويعني به الالمام بعكس الواقع المرحلي وملاحقته بخبرة اللون أو بخبرة تجميع الضوء..2- انه أول فنان عراقي فلسف اللون، وأنتج عبر تجاربه الفنية (قيماً لونية) جعلها أساساً في بنية اللوحة التشكيلية، وكان يقول لتلاميذه: (في اللون وابداعه تتحدد فلسفة التشكيلي) بل تقوم اللوحة الرائدة علي طبيعة الالوان وترابطها وانسجامها، فإذا أتقن الفنان لعبة توزيع الكتل اللونية أتقن الحركة في اللوحة، لأن في اللون عمقاً وامتداداً وتموجاً وهذه كلها تفتح ألغاز ابداع الرسم..!3- أسس (معهد الفنون الجميلة) سنة 1939 متعاوناً مع الرواد حقي الشبلي والشريف محي الدين، وفي عام 1940 أسس أول قسم للرسم في المعهد، وقام يدرب الجيل علي المهارة اللونية من الطبيعة إلي التكنيك المدرسي الاكاديمي وأراد بذلك أن يتخرج به رسامون محترفون وليس شهادات فنية، وتخرجت عليه أول دفعة وهي تودع عصر الرسم علي هواه وتنتقل إلي عصر يحدد ملامح الرسم بأصوله المدرسية، وكان منهم الفنان الراحل اسماعيل الشيخلي، وكان كل من خرجه من أجيال الرسم فيما بعد يتذكر في حالة الرسم ان طيف فائق حسن يتحرك فيه ذات اليمين وذات اليسار، هو وعباراته ومنطقه وتعاطفه الانساني..!4- في أواخر الاربعينات أنهي جواد سليم دراسته في لندن وجاء ليؤسس في المعهد قسم النحت فصار في العراق أربعة أقطاب يبنون فيه هرم الفن: الشريف محيي الدين ينشر تذوق الموسيقي، وحقي الشبلي يرسم أفق المسرح، وجواد سليم يضع منحوتاته انموذجاً لأجيال تتعلم نحت التراث العراقي ثم فائق حسن ينقل الحياة إلي الرسومات، وتنافس الاقطاب في أي منهم يتقدم أكثر وأسرع، وزاد التنافس كلما تخرجت موجة ولاسيما بين فائق حسن وجواد سليم، وكل سحب جيلاً إليه، وكل أراد أن يتبوأ الاجيال، وأما النتيجة فإن التنافس الذي ساد كان قد ساعد علي دفع الحركة الفنية إلي التبلور وانضاج القواعـــــــــد وتزخيم الوتائر المدرسية..!5- وأدي التنافس بين القطبين إلي ظهور (الجماعة) الفنية في الرسم، والجماعة إذا تصارعت خلق النمط الجديد، وإذا تحددت بأطر قياسية أنتجت العلو في الهدف الفني، فتأسست عبر هذا الصراع الخلاّق (جماعة أصدقاء الفن - 1941) و(جماعة الرواد - 1950) و(جماعة الزاوية) في الستينات، وفي الحق ان فائق حسن كان وراء هذه التأسيسات، لأنه كان يعتقد ان الفن لا يتطور إلا بتشكيل الجماعات وهي تتصارع أو انها بصراعها تقدم الافضل، وقد تأثر بهذه الفكرة أثناء دراسته في باريس، وبعد أن وجد ان الفن الفرنسي ولاسيما فن الرسم ما كان له أن يتطور لولا وجود الجماعات التي تبنت تيارات الفن التشكيلي وعالجته بالصراع..! وقد أنهي فائق حسن مرحلة من الرسم بتأسيسه قسم الرسم أو بتشكيله (الجماعات الفنية) عندما كان ذلك الرسم يحاكي الطبيعة علي أيدي رواده: عبد القادر الرسام ومحمد صالح زكي وعاصم حافظ وسليم الموصلي (والد جواد سليم) وجاء برسومات تخضع لمنهج مدرسي أو اكاديمي تحاكي ظاهرية الواقع وتعلم الرسامين كيفية التفاعل مع واقع يتنقل ويتغير ويترصد..!وهو نفسه كان انموذجاً لابداع لوحة تشكيلية، ففيه قلق وصراع وفيه تشوق لتجاوز خطأ العصر، وتشوق آخر يطارده لعبور المنظور، وكل هذه لابد للفنان المبدع من أن يعكسها في فنه أو ابداعه، ليقول في نهاية رحلته: (اني رسمت صيرورتي)..!مباهج الطفولة كانت أمة تصنع رؤوساً فولكلورية من الطين وتبيعها أمام بيتها في محلة (قمر الدين) الشعبية، وفائق يأتي بالطين من نهر دجلة، بعد أن فقد والده وهو جنين، ويسأل: (أمي.. كيف تصنعين؟) وتعلمه الام أول وهلة أن يصنع (رأس الحصان) ويكون هذا الرأس بداية معاونته لأمه في صنع تماثيلها التخيلية الأخري..! وكان يقابلهم خان كبير مهجور تربي وتروض فيه خيول كثيرة لتاجر الخيول، وفائق جيئة وذهوباً يحدق بتلك الخيول: طرزها وأشكالها ويستمع لأنينها أو شجوها، حتي دخلت الخيول في أعماقه وراح يرسمها بالفحم علي جدران البيوت أو يصنع من طين امه رؤوسها وهي شامخة، ويسأله (محمد خضر) معلمه في مدرسة (العوينة الابتدائية) من علمك النحت (أمي بائعة التماثيل) أجاب بخجل، ثم تصفح المعلم دفتر الرسم فوجد تخطيطات لفائق تدهش العين، قال له المعلم: (اترك التماثيل وتعوّد علي الرسم، والتزم بوصية معلمه ورسم ثم رسم أكثر من عشرين لوحة بألوان الباستيل، وكل لوحاته كانت تساؤلات وأجوبة عن طبيعة المرئيات في محلته الفقيرة، وعرضها في معرض المدرسة الموسمي، ونال الجائزة الاولي..! ومن المدرسة يرحل إلي رؤية خاله الفلاح في قصر الملك، وفي جيبه الطباشير الملونة يرسم بها تخيلاته الطفولية علي أجساد الشجر، وحين شاهده فيصل الأول يرسم حصاناً منحنياً علي نهر سأله: (في أي صف؟) قال فائق متخشعاً (في السادس ابتدائي) ولاطفه الملك المؤسس (اني سأرسلك في بعثة إلي الخارج..)، ومات الملك 1933 وحزن فائق علي حظه، لكن الملك غازي نفذ وصية والـــــــده فيصل فأرسل ابن أخت فلاحه إلــــي باريس لدراسة الرسم سنة 1935 بعد شك وقلق وافقار..!من الطبيعة إلي البوزاروفي باريس (1935- 1938) تفتحت فطرته علي أفق جديد، وضم إلي معهد الفنون الجميلة (البوزار) وطلب منه أن يدخل الامتحان (بتخطيطاته الخاصة) ورسم قمراً يمر علي شناشيل بغدادية ورسم دجلة تعانق منائر ذهبية ورسم الحصان في صحراء عربية، وعندما شاهدها استاذه (لوي روجيه) كتب له درجة مئة في مئة ومتعجباً..! وفي فرص متاحة أخذ يتجول معالم باريس، برج ايفل وقوس النصر وقصور الملوك الاوائل، ويرسمها بالالوان المتيسرة كماء الورد ويجمع رسوماته في معرض متواضع ويزوره استاذه ويكتب في دفتر المعرض: (كلها تشير إلي فنان المستقبل..). ومرة أخري يستطلع باريس في عمق رسوماتها، ويمر علي المعارض الفرنسية الشهيرة بلوحاتها العالمية ويدقق النظر في محتوياتها وخاصة معرض (ماتيس) ومعارض (دبلاكروا) في متحف اللوفر، ومن هنا المعرض نقل بريشته لوحة (جحيم دانتي) فبهر بها استاذه وأعطي له أعلي درجة في تخرجه، كما حرّف وغيّر ملامح صور أخري بملامح جديدة مستوحاة من التراث الشعبي العراقي، وعند تخرجه من البوزار خرج فائق حسن من عالم الرسم المنفلت ودخل المنضبط عالمياً، ثم عرف ان الرسم لا ينبغي أن يكون مخيلة فقط واشباع رغبة فطرية فقط انما هو سلوك مدرسي ليس في المضمون فقط بل في الشكل أيضاً، وراح منذ مدة باريس يرسم معارضه في ضوء أبهر معالم تكنولوجيا الرسم العالمي، ونجد في لوحته تتقارب الابعاد اللونية في كتل مضاءة بحسب قياسات موحية، ونجد أيضاً وحدة قياسية بين شخوص لوحته، ويجمعهم بعد متجانس بعد أن كانت كل شخصية قبل مدة باريس تتحصن ببعد منفصل مستقل..!مرسمه كان شعلة الضوء:وعاد إلي وطنه، ومن فوره قبل وجه أمه وهو يبكي: (لولاك.. أمي لولاك ..) وبدموعه اختلطت نبر المنتصر، لأنه جاء بشهادة ذيلت بتقدمه علي جميع زملائه في باريس..! وكان بيتهم عهدئذ في محلة (العيواضية) وفيه غرف واسعة اتخذ واحدة منها لتكون مرسماً له ولرفاقه وليصبح بعد سنة نادياً ثقافياً يجمع إلي رواد الرسم جواد سليم وعطا صبري وأكرم شكري كلاً من بدر شاكر السياب والبياتي وكاظم جواد، وجميعهم شارك وأنتج الظاهرة الابداعية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية.. وكل شيء خرج من ذلك المرسم النادي تناغم مع ايقاع الحرية، وأصواتها التي ارتجت بعد الحرب، وكان جميعهم يتفق مع اليسار العراقي في طروحاته في الحرية والتحرر ونبذ ونفي الفاشية، والمهم ان مرسمه كان يرسم ملامح جديدة لفن عراقي لابد أن يتحول إلي صفوف الفقراء والمحرومين، فظهرت اللوحة التي تبشر بالميلاد، وظهرت القصيدة الغاضبة علي روح الظلم والاستبداد، وبالمجموع ظهر الجيل الواعد الذي سمّي بجيل الخمسينات واحدي قلاعه مرسم فائق حسن، وفي الطرف الآخر راحت كوكبة من رجال الأدب والنقد تبشر بهذا الجيل وبمرسم فائق حسن ومنهم: علي جواد الطاهر وصلاح خالص وغائب طعمة فرمان ونزار سليم ويوسف العاني..!الرحلاتوفي جلسة من جلسات المرسم قال لهم فائق حسن: (الرسم لا يكون في غرف مقفلة..) ومنذ تلك اللحظة بدأ فائق ورفاقه الرسامون يخططون لجولات رسم في الميدان الفسيح، فعبروا السهول والجبال والصحاري والانهر، بحثاً عن موحيات يرسمون بها انساقهم وبألوان الطبيعة التي يجلسون إما فرادي أو جماعات، فرسموا العراق بألوان شتي وبأرواح شتي، ورسموا ما يرمز إلي الاقطاع وهو يسلب دماء الفلاحين الفقراء، ثم رسموا البدو الرحّل وهم يعزفون اناشيدهم الصحراوية، ولم يتركوا شيئاً إلا ومنحوه عاطفة الرسم ممزوجة بآفاقه الفسيحة..! وكانوا إذا رجعوا من رحلاتهم أقاموا لهم معرضاً مشتركاً، ويدخل إليه الجواهري الشاعر قائلاً: (بارك الله بالبصيرة، بعين تري وتكتب ثم ترسم مرة واحدة..!). والمرحلة كانت هي مرحلة فائق وجيله..!كتبوا عنهلا أحد خاصمه وهذا حظ، وحظ آخر له انه اجمع عليه: انه رسام كبير دون أن يقول اني كبير، وكان اجمع عليه في مقطع زمني آخر بريادته في الفن التشكيلي دون أن يعترض عليه رائد من جيله أو تابع من التابعين، وكان أيضاً مؤسساً لمشاريع، ومنظراً لمقولات في الرسم، ومعلماً اجتهد أن يبلغ الدرس، ثم بلغ المرتقي..! وهذه كلها جاءت في كتابات نشرت تباعاً، فكتب نوري الراوي (ان فائق حسن مدرسة) وبحث في اركان مدرسته التشكيلية، وكتب شوكت الربيعي في ريادة فائق وحسيته العالية وأشار إلي تساميه، وعالج محمد الجزائري رسوماته في ضوء العلاقات الاجتماعية، ونبه صادق الصائغ الي الرابطة الحية التي تجمع فائق مع كائناته الخاصة وكتب سهيل سامي نادر غير مقالة يحلل فيها اسلوب وفلسفة فائق حسن، وعرضت مي مظفر ريادة فائق حسن بأساليب مختلفة ومتنوعة، وفي غير مقالة تصدي عادل كامل للمدارس التي اتبعها فائق حسن في لوحاته التشكيلية، انهم بحب كتبوا وأصالة واندفاع..!واجزم انه خالد بخلود اتساعه في لوحاته، ومن اليوم الذي وضع الحقيقة في ابعاده الفنية، أو عندما نشر المفهوم في ألوانه، وصار هذا المفهوم أو العلة تاريخاً يشع فيه واقع العراق، بتعدد خصائصه وزهو ألوانه. ومضـــــــي إلي حيث يمضي مجد آخر..!
إمرأتين واقفتين
فائق الذي جمع الموهبة والصنعة في زمن خلا من الصنعة, هو أبن زمن كان خريج الابتدائية في العراق يعمل معلما. بحصيلة دراسية مشابهة قارع مناهج التعليم الفني في باريس ورجع لبلده بتأثيرات نوابع الكلاسيكية الشمالية(رامبرت) ورومانتيكية (ديلاكروا) الباهرة. هي فتح للتشكيل العراقي بعد سطحية إعمال( عبد القادر الرسام), إضافة لفضله في تأسيس قسم التشكيل في معهد الفنون الجميلة في بغداد. هو لم يبقى أسير صنعته هذه وبتأثير من زملاء له ولاطلاعاته لفترات متتابعة وفي أوج نشاطه على التشكيل الباريسي, قدم تجارب بمفاهيم بيئته ومحيطه في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم. إذا دققنا جيدا نجد أن هناك مقاربات أسلوبية واضحة لها بعض الأساليب الأوربية في ذلك الوقت, ما يميز خصوصياتها استلهامه سحنات اناسنا وطيف ألوان بيئتنا وفلكلوره.
لم يكن فائق بعيدا عن خرابنا في حرب الثمان سنوات(في الثمانينيات) لقد خلف أعمالا تعبيرية معدودة, هي على قلتها تشكل جزءاً من أرثنا التشكيلي العراقي والعربي الحديث.
فائق أبن بيئته وزمنه, صاحب صنعة. أسس مع معاصريه و(ليس بالضرورة مجايليه ما عدى قلة) تقاليد مهنية ذات طقوس اجتماعية في زمن ساعدهم على ذلك. بعد فقده في زمن مبكر لزميله ( جواد سليم) وتفكك جماعاتهم الفنية المؤسسة والتي هي محكومة بتفككها لاحقا حالها حال كل الجماعات الفنية في العالم لإنعدام فاعليتها بسبب التغييرات المتسارعة بحركة التشكيل محليا وعالميا , وانحسار ما بنوه من تقاليد وبروز أجيال تشكيلية أحدث في الستينيات. وبعد مجاهدات انحسر عطائه الرائد بتغلب فطرته الأولى وبمحفزات إغراءات قطاع الاستهلاك البرجوازي وتجاهل من السلطة الرسمية المؤدلجة, أندفع في رسومات عن البادية والخيول والرسوم الشخصية التي لم يضاهيه فيها أحد, وخلق دون أن يدري سوقا لارتزاق أدعياء الفن وأشباههم فيما بعد. هي حالات موجودة في أسواق الفن في كل مكان.
إذا ما شطبنا على المتهافت من إنتاج هذا الفنان القدير يبقى لنا كم نوعي نفتخر فيه, بمفهوم ما ينتج الآن بل بمفهوم موروثنا التشكيلي الحديث المقنن بزمن إنتاجه, فليس يعقل أن نلغي مجايل بيكاسو (ماتيس) من أجل(روشنبورغ) المغاير له أسلوبا وزمنا. الرجل تقوده حواسه وليست الذائقة الانقلابية المعاكسة أو الباطنية كما السريالية. كذلك ليس من اليسير عليه أن يهجر معطياته إلى التجريد( مع أن له محاولات رائدة) أو ما أشتق منه من مفاهيم أخرى كما تبناها (شاكر حسن أل سعيد) الذي تقوده ذاكرة ثقافية. لقد بقى فائق أسير حواسه وهذا من صميم طباعه وليس لنا حق في الانتقاص منه في ذلك, كما أنه ليس من الإمكان أن نشكل نتاج الرجل بمفاهيم تتعدى زمن تجربته او ذروتها ونرسم خارطة تشكله حسب فهمنا لخارطة التشكيل الحديث والمعاصر الأوربية, متأثرين بطول أقامة وسعة إطلاع بعضناعلى الموروث العالمي والغربي منه بالذات كما يدعي بعض ناقديه( مذميه) من أجيال أحدث. هي ادعاءات لانتقاص ومزايدة لامبرر لها غير الاستعلاء على أثر تشكيلي في زمن طالت فيه اليد الخفية حتى آثارنا الجليلة الموروثة من عصور استنارة الإنسانية الأولى.
هي دعوة ليست لتقديس لأثر بقدر ما الحفاظ عليه, فرغم أن الدعوة المعاصرة تلغي المتحف, لكن المتحف يبقى رصيد الإنسانية الذي لا يستهان به, أذ يكفي الأرشفة والتعرف على تجارب الفنانين وحتى مسوداتهم التشكيلية الأولى وسقط متاعهم وهي مخلفات إنسانية لا مبرر للانتقاص منها.فقليل من الاعتزاز بموروثنا التشكيلي وفائق أحد رموزه.
لم يكن فائق بعيدا عن خرابنا في حرب الثمان سنوات(في الثمانينيات) لقد خلف أعمالا تعبيرية معدودة, هي على قلتها تشكل جزءاً من أرثنا التشكيلي العراقي والعربي الحديث.
فائق أبن بيئته وزمنه, صاحب صنعة. أسس مع معاصريه و(ليس بالضرورة مجايليه ما عدى قلة) تقاليد مهنية ذات طقوس اجتماعية في زمن ساعدهم على ذلك. بعد فقده في زمن مبكر لزميله ( جواد سليم) وتفكك جماعاتهم الفنية المؤسسة والتي هي محكومة بتفككها لاحقا حالها حال كل الجماعات الفنية في العالم لإنعدام فاعليتها بسبب التغييرات المتسارعة بحركة التشكيل محليا وعالميا , وانحسار ما بنوه من تقاليد وبروز أجيال تشكيلية أحدث في الستينيات. وبعد مجاهدات انحسر عطائه الرائد بتغلب فطرته الأولى وبمحفزات إغراءات قطاع الاستهلاك البرجوازي وتجاهل من السلطة الرسمية المؤدلجة, أندفع في رسومات عن البادية والخيول والرسوم الشخصية التي لم يضاهيه فيها أحد, وخلق دون أن يدري سوقا لارتزاق أدعياء الفن وأشباههم فيما بعد. هي حالات موجودة في أسواق الفن في كل مكان.
إذا ما شطبنا على المتهافت من إنتاج هذا الفنان القدير يبقى لنا كم نوعي نفتخر فيه, بمفهوم ما ينتج الآن بل بمفهوم موروثنا التشكيلي الحديث المقنن بزمن إنتاجه, فليس يعقل أن نلغي مجايل بيكاسو (ماتيس) من أجل(روشنبورغ) المغاير له أسلوبا وزمنا. الرجل تقوده حواسه وليست الذائقة الانقلابية المعاكسة أو الباطنية كما السريالية. كذلك ليس من اليسير عليه أن يهجر معطياته إلى التجريد( مع أن له محاولات رائدة) أو ما أشتق منه من مفاهيم أخرى كما تبناها (شاكر حسن أل سعيد) الذي تقوده ذاكرة ثقافية. لقد بقى فائق أسير حواسه وهذا من صميم طباعه وليس لنا حق في الانتقاص منه في ذلك, كما أنه ليس من الإمكان أن نشكل نتاج الرجل بمفاهيم تتعدى زمن تجربته او ذروتها ونرسم خارطة تشكله حسب فهمنا لخارطة التشكيل الحديث والمعاصر الأوربية, متأثرين بطول أقامة وسعة إطلاع بعضناعلى الموروث العالمي والغربي منه بالذات كما يدعي بعض ناقديه( مذميه) من أجيال أحدث. هي ادعاءات لانتقاص ومزايدة لامبرر لها غير الاستعلاء على أثر تشكيلي في زمن طالت فيه اليد الخفية حتى آثارنا الجليلة الموروثة من عصور استنارة الإنسانية الأولى.
هي دعوة ليست لتقديس لأثر بقدر ما الحفاظ عليه, فرغم أن الدعوة المعاصرة تلغي المتحف, لكن المتحف يبقى رصيد الإنسانية الذي لا يستهان به, أذ يكفي الأرشفة والتعرف على تجارب الفنانين وحتى مسوداتهم التشكيلية الأولى وسقط متاعهم وهي مخلفات إنسانية لا مبرر للانتقاص منها.فقليل من الاعتزاز بموروثنا التشكيلي وفائق أحد رموزه.
الأحد، 18 يناير 2009
فلاحات جنوبيات
بدأ الفنان فائق حسن المولود سنة 1914 في محلة البقجة ببغداد حياته الفنية معبراً عن الطبيعة التي عاشها بواقعية أكاديمية كما عبر عنها في بعض اللوحات بطريقة المدرسة الحديثة، رغم أنه كان رساماً مقلداً لرسوم عبدالقادر الرسام॥ وفائق حسن.. يعتبر الرسام الاول في البلد। بمنحاه (الاكاديمي) ولكونه اكثر الرسامين واقعية.. لالتصاقه بالواقع والبيئة الشعبية العراقية فضلاً عن انه نحات بارع في اللون فهو يهتم به بالدرجة الاولى.. ولم يهمل (الفورم- الشكل) لانهما بالنسبة له عنصران مكملان لبعضهما البعض ويتعامل معهما. كوحدة ضرورية عضوية لعمل اللوحة. فهو يختلف عن زميله جواد سليم الذي فضل (الشكل) اكثر من اللون.أضحى فائق حسن خلال النصف الثاني من القرن العشرين ظاهرة متميزة في الفن العراقي فهو المؤسس الاول - بلا منازع - لفن الرسم في (العراق) هذا ما وصفه زميله الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد في احد لقاءاته فهو حقاً فنان كبير له الفضل في ارساء قاعدة فنية على اسس موضوعية أسهمت في تأسيس معهد الفنون الجميلة بالتعاون مع زميليه فنان الشعب جواد سليم والفنان المسرحي القدير حقي الشبلي. ناهيك عن أنه كان مصمماً للديكورات المسرحية فكان له الدور الكبير مع الفنان الشبلي بتأسيس المسرح العراقي.وتجدر الاشارة الى أنه منذ طفولته.. كان بارعاً بفنه من خلال موهبته التشكيلية واسلوبه الذي نال اعجاب الناس به. لرصده (لواقع) الذي يعيشه فعندما ارسل في بعثة الى باريس لدراسة الفن.. جمع اغلب اعماله وقام بعرضها على (البروفسور روجيه) فقررقبوله فوراً، على أثرها وبلا تردد حسب ما ذكره هو.بعد تخرجه من (البوزار) في فرنسا عام 1938 اشترك في نفس العام في العديد من المعارض في بغداد وبيروت والكويت ومصر والجزائر والمغرب وامريكا ومعظم دول العالم.
هناك فيلم تسجيلي عراقي باسم "فائق حسن" عام 1978، وهو يحمل في عنوانه اسم الفنان التشكيلي العراقي "فائق حسن"، وهو أحد رموز الفن التشكيلي في العراق والوطن العربي، وشهرته تمتد إلى أوروبا وأكثر دول العالم. والفيلم يتناول تجربته الشخصية ولوحاته وتوظيفه للحياة البغدادية وتطور تجربته، وهو من إخراج صبيح عبد الكريم الزهيري..
لعلك تبصر أول ما تنظر في وجهه ملامح عجينة لون عتقها القدم الممتد من سومر العراق حتى البوزار الفرنسي عبر خطوط لونها العشق المتعب حتى النخاع من كثرة طرق الكنفاس بمحبة وبعنف لذيذ حتى ينداح عن لوحة هي أنثى طالما صالت وجالت في أخيلة هذا العاشق القديم الذي مازال يحمل معول لونه باحثاً عن جسد من قماش وشجر مانحاً شمعها النابض لونه والخلود......
أكاديوس
- (المسؤولية) نطق بهذه الكلمة عندما أدرك أنه يعيش في منزل صغير مع والدته وشقيقته وذكرى والد رحل قبل أن يولد ॥ ذلك الالتزام إزاء حياة الأسرة الفقيرة والالتزام بالتعبير عنها فيما بعد، شكلاً بداية الفنان।
- دخل المدرسة الابتدائية، وبدأ يرسم في مراحلها الأولى .. كان (محمد خضير) معلمه الذي مهد له مسيرته القادمة وشجعه على الرسم .. كان ذلك في مدرسة (العونية)، وكان (محمد) كما يقول فائق يمتلك موهبة جيدة .. حتى صار مرشداً له في النظر إلى بهاء وشده حساسية الألوان وتمايزها .. وكانت آثار إعجابه بمرشده، وضرورة إنهاء الدراسة التي ما أحبها تظهر في اندفاع الصبي إلى الرسم والنحت حيث وجد ميله إليها، كان النحت قد جذبه في البداية، فكان يمضي أوقاتا ً طويلة في الانشغال بالطين ليصنع منه تماثيل صغيرة .. ويقول فائق حسن عن ذلك:
- " كانت معظم محاولاتي دراسات لفنانين عالميين، ومحاكاة لصور، كما كنت أرسم تخطيطات لأفراد عائلتي وصوراً من الذاكرة لنساء شاهدتهن في السوق أو المحلة .. مشاهد من المقاهي ... الخ .."
وهنا يذكر لنا فائق حادثاً طريفاً :-
- " كنت لا أمتلك (حاملاً المصور) لكنني في منزلنا البسيط اكتشفت نافذة خشبية تصلح أن تكون حاملاً فخلعتها وصنعت منها هذا الحامل !! "
ويمضي فائق أياماً طويلة في النحت والرسم، يشجعه عدد من الأصدقاء يذكر منهم (حسين علي ثرون) و (الملك فيصل الأول) و (رشاد سليم وجواد سليم) فيما بعد و(ستار القره غولي) و (حافظ الدروبي وعطا صبري) و (صبحي محمد) ॥ وكان يمضي الليل على ضوء مصباح غازي يرسم بالحبر تخطيطات دقيقة، بينما كان يقتل نهاراته بالرسم المائي والزيتي .. وفي تلك الفترة بدأ يتحسس اللون .. ولم يعرف فناناً عالمياً ألا بعد فترة عندما تعرف على (جينس بورد) من خلال كارتات .. كما تعرف على (تيرنر) وقد نقل صورة (الولد الأزرق) بدقة، كما بدأ في تلك الأيام بنقل صور لـ ((رامبرانت) .. وتنتهي الدراسة الابتدائية ويحسم فائق حسن الاختيار بين الرسم والنحت فيختار الرسم لآن إمكاناته أوسع .. ثم لآن الألوان تبهره। ويرشح بعد التخرج للسفر إلى باريس سنة 1935 .. وكان يتصور أن باريس ستعلمه ما لم يعرفه في بغداد، كما أنه سيرى أوربا التي طالما أشتاق إليها .. ومن بغداد إلى بيروت .. ومن بيروت بواسطة البحر إلى (تيرستا) ومن هناك إلى باريس بالقطار.
- دخل المدرسة الابتدائية، وبدأ يرسم في مراحلها الأولى .. كان (محمد خضير) معلمه الذي مهد له مسيرته القادمة وشجعه على الرسم .. كان ذلك في مدرسة (العونية)، وكان (محمد) كما يقول فائق يمتلك موهبة جيدة .. حتى صار مرشداً له في النظر إلى بهاء وشده حساسية الألوان وتمايزها .. وكانت آثار إعجابه بمرشده، وضرورة إنهاء الدراسة التي ما أحبها تظهر في اندفاع الصبي إلى الرسم والنحت حيث وجد ميله إليها، كان النحت قد جذبه في البداية، فكان يمضي أوقاتا ً طويلة في الانشغال بالطين ليصنع منه تماثيل صغيرة .. ويقول فائق حسن عن ذلك:
- " كانت معظم محاولاتي دراسات لفنانين عالميين، ومحاكاة لصور، كما كنت أرسم تخطيطات لأفراد عائلتي وصوراً من الذاكرة لنساء شاهدتهن في السوق أو المحلة .. مشاهد من المقاهي ... الخ .."
وهنا يذكر لنا فائق حادثاً طريفاً :-
- " كنت لا أمتلك (حاملاً المصور) لكنني في منزلنا البسيط اكتشفت نافذة خشبية تصلح أن تكون حاملاً فخلعتها وصنعت منها هذا الحامل !! "
ويمضي فائق أياماً طويلة في النحت والرسم، يشجعه عدد من الأصدقاء يذكر منهم (حسين علي ثرون) و (الملك فيصل الأول) و (رشاد سليم وجواد سليم) فيما بعد و(ستار القره غولي) و (حافظ الدروبي وعطا صبري) و (صبحي محمد) ॥ وكان يمضي الليل على ضوء مصباح غازي يرسم بالحبر تخطيطات دقيقة، بينما كان يقتل نهاراته بالرسم المائي والزيتي .. وفي تلك الفترة بدأ يتحسس اللون .. ولم يعرف فناناً عالمياً ألا بعد فترة عندما تعرف على (جينس بورد) من خلال كارتات .. كما تعرف على (تيرنر) وقد نقل صورة (الولد الأزرق) بدقة، كما بدأ في تلك الأيام بنقل صور لـ ((رامبرانت) .. وتنتهي الدراسة الابتدائية ويحسم فائق حسن الاختيار بين الرسم والنحت فيختار الرسم لآن إمكاناته أوسع .. ثم لآن الألوان تبهره। ويرشح بعد التخرج للسفر إلى باريس سنة 1935 .. وكان يتصور أن باريس ستعلمه ما لم يعرفه في بغداد، كما أنه سيرى أوربا التي طالما أشتاق إليها .. ومن بغداد إلى بيروت .. ومن بيروت بواسطة البحر إلى (تيرستا) ومن هناك إلى باريس بالقطار.
ويتابع فائق :
- كانت لدي رغبة في أن يستمر القطار في سيره إلى الأبد دون توقف وأن لا أصل إلى باريس التي كنت لا أعرف ما يمكن أن أعمل فيها .. كان ثمة خوف يفزعني من المدن. لكنني عندما وصلت زال خوفي، أو كانت بدأت لا أميز هذا الخوف .. وفي مدينة كبيرة متحركة، مضاءة، مضيت إلى (المدرسة الوطنية للفنون) وهناك تعرفت على الرسام اللبناني (صليبا دويهي) وقد عرفني بأستاذه (لوي روجيه) ..وقدمت له أعمالي التخطيطية، وعلى أثرها قبلني بلا تردد. وتقدمت إلى العمادة التي وافقت على دخولي بدون صعوبة تذكر!
· وما هي الصعوبات الأخرى.؟ فيقول فائق حسن، رغم تعبه الظاهر، ورغم ذاكرته التي لا تنجده دائماً في استعادة الماضي :-
- في البدء واجهتني صعوبات كثيرة، فالسير بمصاف الطلبة القدامى يعني إتقان الرسم، وقد شغلت كل طاقتي وجهدي في إتقان ومعرفة ((ماهية)) الرسم كرسم .. أما الأصالة فقد بدأت مشكلتها فيما بعد، وضمن مرحلة متقدمة نسبياً ... كان أول معرض أزوره لـ ((ماتيس)) مع زميل لي من ((البوزار)) وكان يختبر رأيي في الأعمال الحديثة وفي بعض الفنانين الجدد كماتيس .. وكان لصور ماتيس وألوانه وقع مباشر على إحساسي وإدراكي .. وقد فهمت منذ تلك اللحظة أن هناك فنوناً أخرى، تختلف اختلافا تاماً عن مدرسة ((البوزار)) والروتين المدرسي.
ومن ثم زرت اللوفر، لاكتشاف ((ديلاكروا)) ولا عجب به، وبأشخاصه، وبعالمه الشرقي الحار المتدفق حيوية وعنفاً، وبغنى المادة الزيتية التي كان يستعملها إعجاباً كبيراً .. كما أعجبت برقة (كورو) وعظمة (رامبرانت) والمدرسة الهولندية، والفلمنسكية وبالفنون البدائية (بريمتيف) وبالمدرسة الإيطالية، جيوتو بشكل خاص، ومدرسة البندقية أيضاً .. كما أعجبت بتتيان كملون من بين الفنانين الذين عاصروه .. وكانت النتيجة أن تخطيطاتي السريعة التي أقمت لها عدداً من
المعرض هي التي جعلتني معروفاً، كما كانت الحصيلة هي الاستفادة من معرض ((الخريف)) ومعارض الفنانين المستقلين. فقد كانت الأعمال المعروضة هناك حديثة ومعاصرة وكانت أهميتها بالنسبة لي تفوق حصيلة دراستي الخاصة في (المدرسة الوطنية للفنون) .
أبن فقراء ..
- ثم أعود إلى بغداد، ولكن مفهومي لأصالة الفن لم تتكون فجأة، فقد كانت جذور المدرسة الفرنسية مسيطرة علي. وحتى الحرب العالمية الثانية، ولوجود عدد من البولونيين الثائرين (على طراز مدرسة بونار وما بعد الانطباعية) .. ومع جواد بدأنا نتفهم إشكالات الضوء واللون وتفاعل حساسية القيم الضوئية فيما بينها ككيان. كما بدأنا نتفهم تعقيدات الفورم. وبعدما بدأت، كما بدأ جواد، بفهم عمله.
· كيف كنت تفهم الأصالة ..؟
- الفنون الصحيحة ((الأصلية)) : الفنون التي لا تعتمد على المحاكاة والتقاليد .. أنها الفنون التي تتأسس وتتكون لأول مرة على قماش الصورة من خلال فهم جديد ومعاصر لمشكلات الرسم والفن بشكل شامل وكلي.
- وفي بغداد، بعد الحرب العالمية الثانية، ينشغل الفنان مع عدد أخر من الفنانين الرواد- بمعالجات لمواضيع شعبية، مستغلاً إمكانيات اللون للتعبير عن ((حياة بسيطة)) فيقول:
- أني أبن فقراء وأعيش في منزل بسيط .. تلك هي طفولتي الأولى، ولذلك لم أنجذب إلى المدينة بشوارعها المكتظة الصاخبة، أنما تابعت الموضوعات التي تعالج حياة القرية ببساطتها .. كنت أرى وراء الشوارع الكبيرة وخارج نطاق المدينة حياة أولئك البشر الذين أحببتهم ووجدت إنسانيتي معهم ...
ما هو أهم حادث بارز في حياتك ..؟ أجاب بغضب مكتوم:-
- لا .. أنا رجل غير عاطفي! وظروفي الصعبة، والقاسية جعلتني أكون نفسي بنفسي .. والتغلب على المشاق، ذلك الحادث المعقد مع حياتي كلها ((وهو لا يعني تراجيديا يمكن أن تجعل مني إنسان شاذاً وغريب الأطوار)) هو الذي أوصلني إلى واقع الإنسان وأصالته.
· المعروف عن فائق حسن أنه أتسم في معظم أعماله، وأشتهر بهذا بالبراعة النادرة في استعمال اللون. أساله:-
· هل فكرت في أن يكون لديك اللون رمزاً، أم أنك، كما أرى ذلك في أعمالك تجعل اللون وسيلة وغاية واقعيتين للتعبير الحسي عن الواقع ..؟
· اللون؟ لا أستطيع تحديد إمكانياته أو جعله كما تقول ((رمزا)) لشيء .. والألوان عندي وسيلة تتبع الموضوع دون شك .. وهي تكون كاملة المعنى عندما تتكون في مساحة اللوحة ..
· الأحمر، كان من الألوان المحببة لديك دائماً.؟
- لأن اللون الأحمر يمتلك حيوية وضوءا وتأثيراً ويعطي كذلك دفئاً للألوان الأخرى .
· هذا اللون بالذات، ألم يكن رمزاً ..؟
- لم أقصد به رمزاً لأي شيء، في أية حالة من الحالات .. اللون يمثل اللون! ولآن مجموعة ألوان لوحة ما تعتمد أساساً على نظام لوني لمساحات معينة ومتوازنة تتجاوب وتتعاكس وترتبط باللوحة في أن واحد .. لقد جعلت من اللون الأحمر بصورة عامة مركزاً للصورة أو (مركز حيوية اللوحة) . فاللون الأحمر يجلب الانتباه أكثر من أي لون أخر ولكن ليس بمفرده، بل بترابط مجموعة معينة من الألوان تساعد على إبراز شخصيته .. ولا يقتصر هذا الترتيب وطبيعة الحال على الأحمر حيث يمكن وضع لون أخرى محله ليقوم بنفس الدور حسب نظام أخر يقوم به الرسام.
أجل .. أحب هذه الخيول :
· هل تعتقد بأن الفنان كلما نقدم في الخبرة أستطاع أن يتقدم في العمل ويتجاوز المراحل السابقة ..؟
- دون شك، وهذا ينطبق على جميع الأنظمة والحالات الأخرى ..
· هل لديك تصور محدد للعمل – في الذهن – يتم تنفيذه بعد ذلك بفعل حساسية لونية خاصة ..؟ وكيف يحدث ذلك أو كيف تفكر في عمل وتنفيذه ..؟
- عندما أرسم عملاً ما، فأني لا أشرع فيه مباشرة، بل أخطط له في ذهني ولساعات عديدة ربما، وذلك من حيث تكامله في الشكل وتوزيع الكتل، وبعد ذلك أنفذه على قماش اللوحة. وأنا نادراً ما أغير فكرة الموضوع .. فما أن تتكامل اللوحة في ذهني حتى تكون قد تكاملت تقريباً فوق القماش. أن العملية نظهر لي كأنها نقل صورة من مكان – في الرأس- إلى مكان في الوجود المادي .. لذلك لا أجد ضرورة، بصورة عامة، إلى تغيير جزء من أجزاء الصورة ألا إذا شعرت بوجود نقص أو جزء غير موزون أو (نشاز) في الموضوع.
· هل تقسم حياتك إلى مراحل ..؟
- لا، لأن حياتي مرحلة متسلسلة من الجهود في اختصاصي ..
· أي شعور يراودك عندما تنجز عملاً تعتقد أنك نجحت به ..؟
شعور الكائن الذي يتجدد .. أنه مثل تنفس الهواء .
بيكاسو ..
· ماذا يعني لك بيكاسو ؟
- بيكاسو يعنيني كباقي الفنانين، ألا أن ما يمتلكه من سرعة البديهية والدينامية، يجعله مختلفاً عن فنانين آخرين يماثلونه ضمن شخصياتهم وأساليبهم الخاصة في القدرة ...
ثم يردف :
- بيكاسو واحد من مجموعة كبيرة من الفنانين .. ولا أعتقد أنه هو فريد عصره .. ولكنه بحكم الفترة التي عاش فيها والجيل الذي عاصره يختلف اختلافاً بينا عن الجيل الحاصر وطراز تفكيره وطموحاته.
· في عام ((1958)) يرسم فائق حسن ملحمته الشعبية المعروفة ((الحرية)) وهي جداريه في الباب الشرقي. ويرسم أيضاً ضمن ذلك الأسلوب عدداً كبيراً من اللوحات ... لكن فائق يجرب أساليب عديدة، وضمنتها التجريد .. وأترك فائق حسن يوضح مشكلة الأسلوب وما أراد إنجازه خلال رحلة العمر :
- (( من يقول بأنني أريد أن أعمل أسلوباً محدداً بهذه السهولة والبساطة، فأنه في اعتقادي لا يدرك جوهر الفن، فالأسلوب المجدد شاق، وماذا نفعل إزاء التأثيرات التي ولدنا فيها والتي تدربنا عليها .. وحتى إذا أراد الفنان أن يكوّن ((أسلوبه)) فأنه سيجد نفسه، بدون شعور، يتجه إلى ذاكرته، وسيصل إلى وضع لم يكن يريده، بل لعله كان يريد أن يجرد منه .. وكيف أقول لك عن تحولاتي وتجاربي وكيف أوضح ؟! (وقال فائق حسن بحده من يدرك صعوبة السؤال المؤجلة أساساً من ذات الفنان إليها):
- ((كل ما في الأمر أنني مررت بعدد من الأساليب ومارست اتجاهات مختلفة وكنت أفكر بأنه هو القصد المطلوب وأقول لك بدون خجل، أنني لم أتوصل بعد، للغاية أو ((الأسلوب)) الذي أرغب فيه، والذي أعتقد بأنه سيكون أسلوباً أصيلاً ..))
أحلم .. لا أحلم .. !
· بماذا تحلم؟ تألقت عيناه بذلك البرق الصافي الذي يحددك في مكان كأن الناظر إليك يقوم لعمل سحري .. وأدركت أن سرا أي فنان، كامن في النظر وأن تجليات الحواس والعقل فيما بعد، سران يصعب معرفتها، ألا في الأعمال ذاتها))
أجاب بدهشة:
- لا أحلم .. لكن هناك صعوبات شاقة، أعني: ماذا حصلت خلال حياتي كلها ؟! . أجل، لكني سأتابع التزام المسؤولية الأولى، ومسؤولية الإبداع .. قلت فجأة:
· الإبداع .. ما هو الإبداع ؟
- هو الأخر أمكانية شخصية ولا علاقة لها بالحلم .. الإبداع هو القدرة الفذة مع الحس والشعور في الكشف والخلق، والإبداع يأتي من غزارة المعرفة والخبرة والممارسة الواعية للعمل الفني، وناحية أخرى هي الإحساس بالواقع النقي، وهو النشوة لنجاح العمل، ولكنها نشوة تحدث في لحظات .. والرضا عن العمل شيء ليس بالسهل ..
· وفي الحالات المعاكسة ..؟
- أترك الصورة بشعور لا أقول أنه الفشل أو اليأس، ولكنني أعود إلى العمل في وقت أخر، لأن فشل الموضوع قد يكون بسبب ظروف غير ملائمة، أو لعقم في محتوى الموضوع.
· في أعمالك غنائية وجمال، وفي عملك الأخير المعروف في البينالة، نكاد نفتقد تلك الغنائية .. هل هذه بداية لوضع جديد ..؟
- لا أعتقد أن عملي الأخير فقد الغنائية، وعندي أنه لا يختلف كثيراً عن أعمالي الأخرى بنضجه وتراجيديته .. أن المشهد الذي قدمته في هذا العمل ليس غريباً على الناس، ولكنه غريب على الذين يرتادون سباق الخيول!
· في الكثير من أعمالك نشاهد الخيول .. ما هو تفسيرك لذلك ..؟
- أنني رسمت الحياة غير المترفة .. والرسم بغنائية وجمال لا يعني ترفاً .. والخيول، كما اعتقدها تمثل رمزاً وواقعاً معاً لحياة القرية ولبلدي .. فالحصان رمز أصالة. ثم لماذا لأرسم هذا الكائن الجميل جداً والمفيد والمحبب إلي والذي هو رمز للنبل والكرامة والحياة.
· هل تنجز عملاً وتبدأ بأخر ..؟ وكم يستغرقك أنجاز العمل الواحد ..؟
- مرات أنشغل في أكثر من عمل. ومعدل عمل لوحة متوسطة الحجم هو ((12)) ساعة عدا الفكر طبعاً، وفي بعض الأحيان لا تستغرق اللوحة أكثر من ساعة أو ساعتين وتكون كاملة بمعناها الفني.
جواد .. والحب .. وسوزان:
· كيف استفدت من التراث وكيف تستفيد منه ..؟
- هناك إمكانات غنية ومنابع مهمة جداً لتكون فن موضعي (محلي) عراقي، لا كتقليد حرفي لهذا التراث بل للاستفادة من مزاياه وصراحته وبضمنه الفن الإسلامي .. التراث من ناحية (الفورم) واللون والتعبير استفدت منه كثيراً ..
· من من الفنانين العراقيين يعجبك ..؟
- لا أجيب على هذا السؤال !.
· جواد سليم مثلاً ..؟
- الفترة التي عاشها جواد ذهبت ...
· أذكر أنك قلت ذات مرة بأن جواد كان ملوناً بارعاً؟
- جواد سليم تفهم وعرف الإمكانيات التي تكون اللون، ولكنني لا أستطيع أن أقول أنه كان ملوناً بارعاً.
· هل تكتب يوميات.؟ ولماذا ..؟
- لا، لأنني لا أرعب بتدوين شيء أو لآن تفاصيل حياتي ودقائقها لا تهمني، ولآن كل ما يهمني هو سير عملي الفني والإنجازات التي أرغب بإنجازها.
· الحب ..؟
- صعب تعريفه .. شعور مرتبط بالكثير من المعاني. الحب ليس المرأة وحبها، فهناك تصور كلي للحب وأنا غير قادر على تعريفه ..!
· أكان تعرفك على سوزان وحبك لها دافعاً مساهماً لعملك الفني بشكل خاص ..؟
- سوزان شريكة حياتي بالمعنى الكامل بما في ذلك عملي .. وسوزان كانت الدافع الأكبر في مسيرتي الفنية.
وأسرار ذلك الواقع في تفاصيله الغامضة والسرية والكشف عنها ...
· الإبداع وحرية الفنان، والالتزام ..؟
- أن حرية الفنان مرتبطة بإبداعه وبرؤاه الحضارية، وتفهمه للتأريخ وهو هنا، خاضع للمستقبل .. وأنني أعترف بوجود التزام محمد في الالتزام، لكن يبقى هناك أمر مهم هو الحرية التي تعني حرية الإبداع والكشف عن الأعماق بأصالة حرة .. أعني: أن الإبداع مشروط بالفهم العلمي للحياة البشرية يعني تكاملاً في بنية الفنان المستمرة، والحرية هي التجاوز المستمر ..
· كنت قد شاهدت لك عدداً من الأعمال غير الشعبية أو التجريدية بالذات فماذا تقول عن ذلك ..؟
- قلت لك أنني أجرب، وأنا إذ أهتم بالحياة والموضوعات غير الشعبية، فهذا في الأخير، يكون شعبياً، أنه اهتمامي بالحياة العائدة إلى طفولتي .. أم بماذا أحلم؟ آ .. لا أحلم، فأنا أقاوم صعوبات واقعية جداً وأجد لها حلولا .. الحياة ليست حلماً .. وقد يكون هذا، حسب رأيك حلماً، لكن أنا لا أعتقد بأن ذلك حلم، إنما هو الواقع الصعب والذي تبرهن عليه جميع الحقائق البشرية والعلمية على أنه حادث لنا عملياً وفي كل الأشياء ..
مجلة آلف باء / 1974
- كانت لدي رغبة في أن يستمر القطار في سيره إلى الأبد دون توقف وأن لا أصل إلى باريس التي كنت لا أعرف ما يمكن أن أعمل فيها .. كان ثمة خوف يفزعني من المدن. لكنني عندما وصلت زال خوفي، أو كانت بدأت لا أميز هذا الخوف .. وفي مدينة كبيرة متحركة، مضاءة، مضيت إلى (المدرسة الوطنية للفنون) وهناك تعرفت على الرسام اللبناني (صليبا دويهي) وقد عرفني بأستاذه (لوي روجيه) ..وقدمت له أعمالي التخطيطية، وعلى أثرها قبلني بلا تردد. وتقدمت إلى العمادة التي وافقت على دخولي بدون صعوبة تذكر!
· وما هي الصعوبات الأخرى.؟ فيقول فائق حسن، رغم تعبه الظاهر، ورغم ذاكرته التي لا تنجده دائماً في استعادة الماضي :-
- في البدء واجهتني صعوبات كثيرة، فالسير بمصاف الطلبة القدامى يعني إتقان الرسم، وقد شغلت كل طاقتي وجهدي في إتقان ومعرفة ((ماهية)) الرسم كرسم .. أما الأصالة فقد بدأت مشكلتها فيما بعد، وضمن مرحلة متقدمة نسبياً ... كان أول معرض أزوره لـ ((ماتيس)) مع زميل لي من ((البوزار)) وكان يختبر رأيي في الأعمال الحديثة وفي بعض الفنانين الجدد كماتيس .. وكان لصور ماتيس وألوانه وقع مباشر على إحساسي وإدراكي .. وقد فهمت منذ تلك اللحظة أن هناك فنوناً أخرى، تختلف اختلافا تاماً عن مدرسة ((البوزار)) والروتين المدرسي.
ومن ثم زرت اللوفر، لاكتشاف ((ديلاكروا)) ولا عجب به، وبأشخاصه، وبعالمه الشرقي الحار المتدفق حيوية وعنفاً، وبغنى المادة الزيتية التي كان يستعملها إعجاباً كبيراً .. كما أعجبت برقة (كورو) وعظمة (رامبرانت) والمدرسة الهولندية، والفلمنسكية وبالفنون البدائية (بريمتيف) وبالمدرسة الإيطالية، جيوتو بشكل خاص، ومدرسة البندقية أيضاً .. كما أعجبت بتتيان كملون من بين الفنانين الذين عاصروه .. وكانت النتيجة أن تخطيطاتي السريعة التي أقمت لها عدداً من
المعرض هي التي جعلتني معروفاً، كما كانت الحصيلة هي الاستفادة من معرض ((الخريف)) ومعارض الفنانين المستقلين. فقد كانت الأعمال المعروضة هناك حديثة ومعاصرة وكانت أهميتها بالنسبة لي تفوق حصيلة دراستي الخاصة في (المدرسة الوطنية للفنون) .
أبن فقراء ..
- ثم أعود إلى بغداد، ولكن مفهومي لأصالة الفن لم تتكون فجأة، فقد كانت جذور المدرسة الفرنسية مسيطرة علي. وحتى الحرب العالمية الثانية، ولوجود عدد من البولونيين الثائرين (على طراز مدرسة بونار وما بعد الانطباعية) .. ومع جواد بدأنا نتفهم إشكالات الضوء واللون وتفاعل حساسية القيم الضوئية فيما بينها ككيان. كما بدأنا نتفهم تعقيدات الفورم. وبعدما بدأت، كما بدأ جواد، بفهم عمله.
· كيف كنت تفهم الأصالة ..؟
- الفنون الصحيحة ((الأصلية)) : الفنون التي لا تعتمد على المحاكاة والتقاليد .. أنها الفنون التي تتأسس وتتكون لأول مرة على قماش الصورة من خلال فهم جديد ومعاصر لمشكلات الرسم والفن بشكل شامل وكلي.
- وفي بغداد، بعد الحرب العالمية الثانية، ينشغل الفنان مع عدد أخر من الفنانين الرواد- بمعالجات لمواضيع شعبية، مستغلاً إمكانيات اللون للتعبير عن ((حياة بسيطة)) فيقول:
- أني أبن فقراء وأعيش في منزل بسيط .. تلك هي طفولتي الأولى، ولذلك لم أنجذب إلى المدينة بشوارعها المكتظة الصاخبة، أنما تابعت الموضوعات التي تعالج حياة القرية ببساطتها .. كنت أرى وراء الشوارع الكبيرة وخارج نطاق المدينة حياة أولئك البشر الذين أحببتهم ووجدت إنسانيتي معهم ...
ما هو أهم حادث بارز في حياتك ..؟ أجاب بغضب مكتوم:-
- لا .. أنا رجل غير عاطفي! وظروفي الصعبة، والقاسية جعلتني أكون نفسي بنفسي .. والتغلب على المشاق، ذلك الحادث المعقد مع حياتي كلها ((وهو لا يعني تراجيديا يمكن أن تجعل مني إنسان شاذاً وغريب الأطوار)) هو الذي أوصلني إلى واقع الإنسان وأصالته.
· المعروف عن فائق حسن أنه أتسم في معظم أعماله، وأشتهر بهذا بالبراعة النادرة في استعمال اللون. أساله:-
· هل فكرت في أن يكون لديك اللون رمزاً، أم أنك، كما أرى ذلك في أعمالك تجعل اللون وسيلة وغاية واقعيتين للتعبير الحسي عن الواقع ..؟
· اللون؟ لا أستطيع تحديد إمكانياته أو جعله كما تقول ((رمزا)) لشيء .. والألوان عندي وسيلة تتبع الموضوع دون شك .. وهي تكون كاملة المعنى عندما تتكون في مساحة اللوحة ..
· الأحمر، كان من الألوان المحببة لديك دائماً.؟
- لأن اللون الأحمر يمتلك حيوية وضوءا وتأثيراً ويعطي كذلك دفئاً للألوان الأخرى .
· هذا اللون بالذات، ألم يكن رمزاً ..؟
- لم أقصد به رمزاً لأي شيء، في أية حالة من الحالات .. اللون يمثل اللون! ولآن مجموعة ألوان لوحة ما تعتمد أساساً على نظام لوني لمساحات معينة ومتوازنة تتجاوب وتتعاكس وترتبط باللوحة في أن واحد .. لقد جعلت من اللون الأحمر بصورة عامة مركزاً للصورة أو (مركز حيوية اللوحة) . فاللون الأحمر يجلب الانتباه أكثر من أي لون أخر ولكن ليس بمفرده، بل بترابط مجموعة معينة من الألوان تساعد على إبراز شخصيته .. ولا يقتصر هذا الترتيب وطبيعة الحال على الأحمر حيث يمكن وضع لون أخرى محله ليقوم بنفس الدور حسب نظام أخر يقوم به الرسام.
أجل .. أحب هذه الخيول :
· هل تعتقد بأن الفنان كلما نقدم في الخبرة أستطاع أن يتقدم في العمل ويتجاوز المراحل السابقة ..؟
- دون شك، وهذا ينطبق على جميع الأنظمة والحالات الأخرى ..
· هل لديك تصور محدد للعمل – في الذهن – يتم تنفيذه بعد ذلك بفعل حساسية لونية خاصة ..؟ وكيف يحدث ذلك أو كيف تفكر في عمل وتنفيذه ..؟
- عندما أرسم عملاً ما، فأني لا أشرع فيه مباشرة، بل أخطط له في ذهني ولساعات عديدة ربما، وذلك من حيث تكامله في الشكل وتوزيع الكتل، وبعد ذلك أنفذه على قماش اللوحة. وأنا نادراً ما أغير فكرة الموضوع .. فما أن تتكامل اللوحة في ذهني حتى تكون قد تكاملت تقريباً فوق القماش. أن العملية نظهر لي كأنها نقل صورة من مكان – في الرأس- إلى مكان في الوجود المادي .. لذلك لا أجد ضرورة، بصورة عامة، إلى تغيير جزء من أجزاء الصورة ألا إذا شعرت بوجود نقص أو جزء غير موزون أو (نشاز) في الموضوع.
· هل تقسم حياتك إلى مراحل ..؟
- لا، لأن حياتي مرحلة متسلسلة من الجهود في اختصاصي ..
· أي شعور يراودك عندما تنجز عملاً تعتقد أنك نجحت به ..؟
شعور الكائن الذي يتجدد .. أنه مثل تنفس الهواء .
بيكاسو ..
· ماذا يعني لك بيكاسو ؟
- بيكاسو يعنيني كباقي الفنانين، ألا أن ما يمتلكه من سرعة البديهية والدينامية، يجعله مختلفاً عن فنانين آخرين يماثلونه ضمن شخصياتهم وأساليبهم الخاصة في القدرة ...
ثم يردف :
- بيكاسو واحد من مجموعة كبيرة من الفنانين .. ولا أعتقد أنه هو فريد عصره .. ولكنه بحكم الفترة التي عاش فيها والجيل الذي عاصره يختلف اختلافاً بينا عن الجيل الحاصر وطراز تفكيره وطموحاته.
· في عام ((1958)) يرسم فائق حسن ملحمته الشعبية المعروفة ((الحرية)) وهي جداريه في الباب الشرقي. ويرسم أيضاً ضمن ذلك الأسلوب عدداً كبيراً من اللوحات ... لكن فائق يجرب أساليب عديدة، وضمنتها التجريد .. وأترك فائق حسن يوضح مشكلة الأسلوب وما أراد إنجازه خلال رحلة العمر :
- (( من يقول بأنني أريد أن أعمل أسلوباً محدداً بهذه السهولة والبساطة، فأنه في اعتقادي لا يدرك جوهر الفن، فالأسلوب المجدد شاق، وماذا نفعل إزاء التأثيرات التي ولدنا فيها والتي تدربنا عليها .. وحتى إذا أراد الفنان أن يكوّن ((أسلوبه)) فأنه سيجد نفسه، بدون شعور، يتجه إلى ذاكرته، وسيصل إلى وضع لم يكن يريده، بل لعله كان يريد أن يجرد منه .. وكيف أقول لك عن تحولاتي وتجاربي وكيف أوضح ؟! (وقال فائق حسن بحده من يدرك صعوبة السؤال المؤجلة أساساً من ذات الفنان إليها):
- ((كل ما في الأمر أنني مررت بعدد من الأساليب ومارست اتجاهات مختلفة وكنت أفكر بأنه هو القصد المطلوب وأقول لك بدون خجل، أنني لم أتوصل بعد، للغاية أو ((الأسلوب)) الذي أرغب فيه، والذي أعتقد بأنه سيكون أسلوباً أصيلاً ..))
أحلم .. لا أحلم .. !
· بماذا تحلم؟ تألقت عيناه بذلك البرق الصافي الذي يحددك في مكان كأن الناظر إليك يقوم لعمل سحري .. وأدركت أن سرا أي فنان، كامن في النظر وأن تجليات الحواس والعقل فيما بعد، سران يصعب معرفتها، ألا في الأعمال ذاتها))
أجاب بدهشة:
- لا أحلم .. لكن هناك صعوبات شاقة، أعني: ماذا حصلت خلال حياتي كلها ؟! . أجل، لكني سأتابع التزام المسؤولية الأولى، ومسؤولية الإبداع .. قلت فجأة:
· الإبداع .. ما هو الإبداع ؟
- هو الأخر أمكانية شخصية ولا علاقة لها بالحلم .. الإبداع هو القدرة الفذة مع الحس والشعور في الكشف والخلق، والإبداع يأتي من غزارة المعرفة والخبرة والممارسة الواعية للعمل الفني، وناحية أخرى هي الإحساس بالواقع النقي، وهو النشوة لنجاح العمل، ولكنها نشوة تحدث في لحظات .. والرضا عن العمل شيء ليس بالسهل ..
· وفي الحالات المعاكسة ..؟
- أترك الصورة بشعور لا أقول أنه الفشل أو اليأس، ولكنني أعود إلى العمل في وقت أخر، لأن فشل الموضوع قد يكون بسبب ظروف غير ملائمة، أو لعقم في محتوى الموضوع.
· في أعمالك غنائية وجمال، وفي عملك الأخير المعروف في البينالة، نكاد نفتقد تلك الغنائية .. هل هذه بداية لوضع جديد ..؟
- لا أعتقد أن عملي الأخير فقد الغنائية، وعندي أنه لا يختلف كثيراً عن أعمالي الأخرى بنضجه وتراجيديته .. أن المشهد الذي قدمته في هذا العمل ليس غريباً على الناس، ولكنه غريب على الذين يرتادون سباق الخيول!
· في الكثير من أعمالك نشاهد الخيول .. ما هو تفسيرك لذلك ..؟
- أنني رسمت الحياة غير المترفة .. والرسم بغنائية وجمال لا يعني ترفاً .. والخيول، كما اعتقدها تمثل رمزاً وواقعاً معاً لحياة القرية ولبلدي .. فالحصان رمز أصالة. ثم لماذا لأرسم هذا الكائن الجميل جداً والمفيد والمحبب إلي والذي هو رمز للنبل والكرامة والحياة.
· هل تنجز عملاً وتبدأ بأخر ..؟ وكم يستغرقك أنجاز العمل الواحد ..؟
- مرات أنشغل في أكثر من عمل. ومعدل عمل لوحة متوسطة الحجم هو ((12)) ساعة عدا الفكر طبعاً، وفي بعض الأحيان لا تستغرق اللوحة أكثر من ساعة أو ساعتين وتكون كاملة بمعناها الفني.
جواد .. والحب .. وسوزان:
· كيف استفدت من التراث وكيف تستفيد منه ..؟
- هناك إمكانات غنية ومنابع مهمة جداً لتكون فن موضعي (محلي) عراقي، لا كتقليد حرفي لهذا التراث بل للاستفادة من مزاياه وصراحته وبضمنه الفن الإسلامي .. التراث من ناحية (الفورم) واللون والتعبير استفدت منه كثيراً ..
· من من الفنانين العراقيين يعجبك ..؟
- لا أجيب على هذا السؤال !.
· جواد سليم مثلاً ..؟
- الفترة التي عاشها جواد ذهبت ...
· أذكر أنك قلت ذات مرة بأن جواد كان ملوناً بارعاً؟
- جواد سليم تفهم وعرف الإمكانيات التي تكون اللون، ولكنني لا أستطيع أن أقول أنه كان ملوناً بارعاً.
· هل تكتب يوميات.؟ ولماذا ..؟
- لا، لأنني لا أرعب بتدوين شيء أو لآن تفاصيل حياتي ودقائقها لا تهمني، ولآن كل ما يهمني هو سير عملي الفني والإنجازات التي أرغب بإنجازها.
· الحب ..؟
- صعب تعريفه .. شعور مرتبط بالكثير من المعاني. الحب ليس المرأة وحبها، فهناك تصور كلي للحب وأنا غير قادر على تعريفه ..!
· أكان تعرفك على سوزان وحبك لها دافعاً مساهماً لعملك الفني بشكل خاص ..؟
- سوزان شريكة حياتي بالمعنى الكامل بما في ذلك عملي .. وسوزان كانت الدافع الأكبر في مسيرتي الفنية.
وأسرار ذلك الواقع في تفاصيله الغامضة والسرية والكشف عنها ...
· الإبداع وحرية الفنان، والالتزام ..؟
- أن حرية الفنان مرتبطة بإبداعه وبرؤاه الحضارية، وتفهمه للتأريخ وهو هنا، خاضع للمستقبل .. وأنني أعترف بوجود التزام محمد في الالتزام، لكن يبقى هناك أمر مهم هو الحرية التي تعني حرية الإبداع والكشف عن الأعماق بأصالة حرة .. أعني: أن الإبداع مشروط بالفهم العلمي للحياة البشرية يعني تكاملاً في بنية الفنان المستمرة، والحرية هي التجاوز المستمر ..
· كنت قد شاهدت لك عدداً من الأعمال غير الشعبية أو التجريدية بالذات فماذا تقول عن ذلك ..؟
- قلت لك أنني أجرب، وأنا إذ أهتم بالحياة والموضوعات غير الشعبية، فهذا في الأخير، يكون شعبياً، أنه اهتمامي بالحياة العائدة إلى طفولتي .. أم بماذا أحلم؟ آ .. لا أحلم، فأنا أقاوم صعوبات واقعية جداً وأجد لها حلولا .. الحياة ليست حلماً .. وقد يكون هذا، حسب رأيك حلماً، لكن أنا لا أعتقد بأن ذلك حلم، إنما هو الواقع الصعب والذي تبرهن عليه جميع الحقائق البشرية والعلمية على أنه حادث لنا عملياً وفي كل الأشياء ..
مجلة آلف باء / 1974
Faeq hassan
Born in Baghdad in 1914. Graduated from the (Beaux Arts), Paris in 1938. Founded the Painting Department at the Fine Arts Institute in 1939-1940. Founded the Pioneers Group (or S.P) in 1950. He participated in its exhibitions until 1967 when he joined in founding the Corner Group and participated in its first exhibition. Took part in the Friends of Art Society in 1943 and 1946. Participated in the Avicenna Exhibition in Baghdad in 1952. Organized a number of one - man exhibitions in Baghdad, in 1962-1967 and 1971. Participated in most national exhibitions outside Iraq. Joined nine artists in the Iraq Art Exhibition in Beirut in 1965. Member of the Iraqi Artists Society।
فائق حسن ولد في بغداد عام 1914. تخرج من البوزار عام 1938. أسس فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939_1940) أسس جماعة الرواد عام 1950 وشارك في معارضها حتى عام 1967 حيث ساهم في تأسيس جماعة الزاوية وشارك في معرضها الاول. شارك في معرض جمعية اصدقاء الفن عام 1943 و1946. شارك في معرض ابن سينا الذي اقيم في بغداد عام 1952. اقام معارض شخصية في بغداد عام 1962 و1967 و 1971 شارك في جميع المعارض الوطنية خارج العراق . شارك مع تسعة فنانين في اقامة معرض للفن العراقي في بيروت عام 1965. عضو جمعية الفنانين العراقيين .
Born in Baghdad in 1914. Graduated from the (Beaux Arts), Paris in 1938. Founded the Painting Department at the Fine Arts Institute in 1939-1940. Founded the Pioneers Group (or S.P) in 1950. He participated in its exhibitions until 1967 when he joined in founding the Corner Group and participated in its first exhibition. Took part in the Friends of Art Society in 1943 and 1946. Participated in the Avicenna Exhibition in Baghdad in 1952. Organized a number of one - man exhibitions in Baghdad, in 1962-1967 and 1971. Participated in most national exhibitions outside Iraq. Joined nine artists in the Iraq Art Exhibition in Beirut in 1965. Member of the Iraqi Artists Society।
فائق حسن ولد في بغداد عام 1914. تخرج من البوزار عام 1938. أسس فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939_1940) أسس جماعة الرواد عام 1950 وشارك في معارضها حتى عام 1967 حيث ساهم في تأسيس جماعة الزاوية وشارك في معرضها الاول. شارك في معرض جمعية اصدقاء الفن عام 1943 و1946. شارك في معرض ابن سينا الذي اقيم في بغداد عام 1952. اقام معارض شخصية في بغداد عام 1962 و1967 و 1971 شارك في جميع المعارض الوطنية خارج العراق . شارك مع تسعة فنانين في اقامة معرض للفن العراقي في بيروت عام 1965. عضو جمعية الفنانين العراقيين .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)