فائق الذي جمع الموهبة والصنعة في زمن خلا من الصنعة, هو أبن زمن كان خريج الابتدائية في العراق يعمل معلما. بحصيلة دراسية مشابهة قارع مناهج التعليم الفني في باريس ورجع لبلده بتأثيرات نوابع الكلاسيكية الشمالية(رامبرت) ورومانتيكية (ديلاكروا) الباهرة. هي فتح للتشكيل العراقي بعد سطحية إعمال( عبد القادر الرسام), إضافة لفضله في تأسيس قسم التشكيل في معهد الفنون الجميلة في بغداد. هو لم يبقى أسير صنعته هذه وبتأثير من زملاء له ولاطلاعاته لفترات متتابعة وفي أوج نشاطه على التشكيل الباريسي, قدم تجارب بمفاهيم بيئته ومحيطه في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم. إذا دققنا جيدا نجد أن هناك مقاربات أسلوبية واضحة لها بعض الأساليب الأوربية في ذلك الوقت, ما يميز خصوصياتها استلهامه سحنات اناسنا وطيف ألوان بيئتنا وفلكلوره.
لم يكن فائق بعيدا عن خرابنا في حرب الثمان سنوات(في الثمانينيات) لقد خلف أعمالا تعبيرية معدودة, هي على قلتها تشكل جزءاً من أرثنا التشكيلي العراقي والعربي الحديث.
فائق أبن بيئته وزمنه, صاحب صنعة. أسس مع معاصريه و(ليس بالضرورة مجايليه ما عدى قلة) تقاليد مهنية ذات طقوس اجتماعية في زمن ساعدهم على ذلك. بعد فقده في زمن مبكر لزميله ( جواد سليم) وتفكك جماعاتهم الفنية المؤسسة والتي هي محكومة بتفككها لاحقا حالها حال كل الجماعات الفنية في العالم لإنعدام فاعليتها بسبب التغييرات المتسارعة بحركة التشكيل محليا وعالميا , وانحسار ما بنوه من تقاليد وبروز أجيال تشكيلية أحدث في الستينيات. وبعد مجاهدات انحسر عطائه الرائد بتغلب فطرته الأولى وبمحفزات إغراءات قطاع الاستهلاك البرجوازي وتجاهل من السلطة الرسمية المؤدلجة, أندفع في رسومات عن البادية والخيول والرسوم الشخصية التي لم يضاهيه فيها أحد, وخلق دون أن يدري سوقا لارتزاق أدعياء الفن وأشباههم فيما بعد. هي حالات موجودة في أسواق الفن في كل مكان.
إذا ما شطبنا على المتهافت من إنتاج هذا الفنان القدير يبقى لنا كم نوعي نفتخر فيه, بمفهوم ما ينتج الآن بل بمفهوم موروثنا التشكيلي الحديث المقنن بزمن إنتاجه, فليس يعقل أن نلغي مجايل بيكاسو (ماتيس) من أجل(روشنبورغ) المغاير له أسلوبا وزمنا. الرجل تقوده حواسه وليست الذائقة الانقلابية المعاكسة أو الباطنية كما السريالية. كذلك ليس من اليسير عليه أن يهجر معطياته إلى التجريد( مع أن له محاولات رائدة) أو ما أشتق منه من مفاهيم أخرى كما تبناها (شاكر حسن أل سعيد) الذي تقوده ذاكرة ثقافية. لقد بقى فائق أسير حواسه وهذا من صميم طباعه وليس لنا حق في الانتقاص منه في ذلك, كما أنه ليس من الإمكان أن نشكل نتاج الرجل بمفاهيم تتعدى زمن تجربته او ذروتها ونرسم خارطة تشكله حسب فهمنا لخارطة التشكيل الحديث والمعاصر الأوربية, متأثرين بطول أقامة وسعة إطلاع بعضناعلى الموروث العالمي والغربي منه بالذات كما يدعي بعض ناقديه( مذميه) من أجيال أحدث. هي ادعاءات لانتقاص ومزايدة لامبرر لها غير الاستعلاء على أثر تشكيلي في زمن طالت فيه اليد الخفية حتى آثارنا الجليلة الموروثة من عصور استنارة الإنسانية الأولى.
هي دعوة ليست لتقديس لأثر بقدر ما الحفاظ عليه, فرغم أن الدعوة المعاصرة تلغي المتحف, لكن المتحف يبقى رصيد الإنسانية الذي لا يستهان به, أذ يكفي الأرشفة والتعرف على تجارب الفنانين وحتى مسوداتهم التشكيلية الأولى وسقط متاعهم وهي مخلفات إنسانية لا مبرر للانتقاص منها.فقليل من الاعتزاز بموروثنا التشكيلي وفائق أحد رموزه.
الاثنين، 19 يناير 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق